بدأت حياتي بزواج فاشل انتهى بخيانة زوجية وطلاق .. أعقبته سنوات من الوحدة والمرارة والخراب والأعصاب التالفة والأمراض والمتاعب الجسمية والنفسية من كل نوع .
كنت أشكو الصداع للزمن وسوء الهضم وأدمن على المنومات والمسكنات.
وكان هناك ما يدمرني أكثر من هذه المنغصات الجسدية ..
الشك وسوء الظن وفقدان الثقة وفقدان الأمل واليأس من الدنيا .. ومن الوفاء .. ومن جنس النساء على إطلاقهن .
عشت سنوات وأنا بهذه الحالة النفسية . أتحرك مذهولا شاردا كشبح ..
أعيش في عزلة مهما خالطت الناس ومهما غشيت السهرات والمنتديات .. وأحيانا كانت هذه السهرات تزيدني وحدة .. كنت أشعر إني منفصل عن الضحكات حولي .. منعزل عن القهقات المرحة .. غائب في نفسي .. في التيه المظلم في داخلي ..
ظللت على هذه الحال حتى عرفتها ، كانت امرأة في الأربعين مريضة عليلة ذابلة .. امتص حياتها ثلاثة ازواج لم يتركوا لها سوى أثر باهت من جمال ، وبقايا من جسد مرهق وبيت خرب .. ولا طفل .. ولا طفلة .. ولا ذكرى .. وبدأ كل منا ينفض همومه إلى الآخر ..
وتوثقت بيننا مع الزمن رابطة غريبة .. هي رابطة الألم ..
كانت تقول لي .. وعيناها دامعتان ..
ما نفعي .. لقد انتهيت .. لم يعد هناك رجل يمكن أن ينظر إلى .. ولكني كنت أنظر إليها وأحتضنها بعيني وقد ذابت شكوكي على وقع كلماتها .
أخيرا .. أحسست إني أثق في امرأة من جديد ..
كيف حدث هذا ؟ . لست أدري !
وتطورت الأمور بسرعة .. وعرضت عليها الزواج ..
وثارت العائلة .. وواجهنى الكل بزوبعة من الصراخ والاحتجاج ..
كيف تتزوج من هذه العجوز العليلة الذابلة التي امتصها الرجال .. وانت رجل في الثلاثين في كمال رجولتك وصحتك .. غنى جميل جذاب .. لا ينقصك شيء ..
إنك تلتقط عقب سيجارة دخنها الكل ، ولم تعد تصلح لشئ وصارحني خالي الطبيب بأن مرضها لن يمهلها أكثر من سنة .. وأنها مقضى عليها بالموت لا محالة .. فزاد هذا من تمسكي بها .
وأنا الآن أستعد لإتمام الزواج في الأيام القليلة القادمة ..
سوف أتزوجها مهما حدث ..
الكل ضدي .. الكل يخذلونني .. ولكني أحبها ما رأيك في هذا الحب ..؟
******************
رد دكتور مصطفى محمود
أخشى أن أقول لك إن هذا ليس حبا كما تتصور .. إنه مرضك العصبي الذي وجد دواءه في هذه المرأة .. إن مشكلتك الحقيقة .. أنك فقدت الثقة في كل النساء .. وأصبح ظل الخيانة يحوم حول كل امرأة تنظر إليها ..
ولهذا استحال أن يتجدد حبك ..
ولهذا ظللت تعيش في وحدة وضياع حتى عثرت على هذه المرأة أمرأة انتهت على حد تعبيرها هي .. ولم يعد لها نفع ولم يعد من الممكن أن ينظر إليها رجل كانت هذه الكلمات كقطرات الندي التي نزلت على أعصابك.
ها هي ذي امرأة لا يمكن أن تكون موضع شك .. ولا موضع خيانة .. وشعرت بالراحة .. في أعماقك .. في أعماق عقلك الباطن ..
وحينما قالك لك خالك الطبيب .. إنها ميتة ولن تعيش اكثرمن سنة .. شعرت بالاطمئنان أكثر ، فسوف تتزوج جثة لا يمكن أن تخونك أبدا .. كانت هذه الأحاسيس تخاجلك من الباطن وكان عقلك الواعي يخدعك ويصور لك الأحاسيس والروابط على أنها حب ..
ولكنها ليست حباً .. إنها عقابك لنفسك .. وسوء ظنك الذي تحكم فيك .. ثم حكم عليك بهذا الاختيار المريض ..
انظر لحياتك من جديد .. وحاول أن تتخلص من هذه العقدة .. إن الدنيا مليئة بالبنات .. وبالإخلاص والحب والخير
د_مصطفي محمود
كتاب / 55 مشكلة حب