جنين وضرورة معركة الإعلام
بقلم: داود كتّاب
الصمود البطولي في مدينة جنين ومخيّمها يسجّل لشباب المقاومة، وقد أدّى إلى قدر كبير من التأييد والمساندة. وعلى الرغم من هذا النجاح الملموس، هناك غياب خطّة فلسطينية محكمة تشمل مبادرات إعلامية، يجب أن تشمل جيشًا من المتطوّعين في فلسطين وفي العالم، للرد على التشويش الإسرائيلي ومحاولة زجّه روايات تدّعي "حرص" قوات جيش الاحتلال في "تقصّده" فقظ للمسلحين طبعا، والذين يسميهم إرهابيين.
الحقيقة دائما أول ضحايا الحروب، ورغم أن ثمّة حقاً للفلسطينين في المقاومة، إلا أن الإعلام الغربي، في محاولاته عرض "روايات موازية"، فشل في توجيه التهم إلى المعتدي، وسمح للمسؤولين، ومنهم رئيس الوزراء البريطاني، ريشار سوناك، وكبار المسؤولين الأميركيين، بالقول إن لإسرائيل حقّ الدفاع عن النفس؟ أيّ حقّ وإسرائيل هي المعتدية على أراض مصنفة حتى في اتفاقية أوسلو، سيئة الصيت، ضمن المسؤولية الإدارية والأمنية الكاملة للأمن الفلسطيني، في حين أن قرى مثل حواره وترمسعيا مصنفة ضمن مناطق تحت المسؤولية الأمنية الإسرائيلية، لم توفر القوات الإسرائيلية حماية للسكان الفلسطينين من بطش المستوطنين.
كان لإعلاميين وإعلاميات أجانب دورٌ في المعركة الإعلامية، وكان لدبلوماسيين فلسطينيين في الخارج ولنشطاء دورٌ مهم في فضح ما ارتكبته إسرائيل، ولكن التغطية الإعلامية الجيدة جاءت من دون مبادرات قوية من الجانب الفلسطيني محليا وخارجيا.
هناك تعقيدات يجب الاعتراف بها، حيث الأزمات في القيادة الفلسطينية والانقسام الحادّ من الأسباب المهمة لغياب استراتيجية إعلامية متفق عليها. ولكن المطلوب ليس استراتيجية حكومية، فالمعروف أن الحكومة الفلسطينية مكبّلة بأمور يصعُب عليها أن تقوم بعملية قوية ومنسّقة، ولكن أين دور الأحزاب والتنظيمات السياسية ونشطاء المجتمع المدني وأساتذة الإعلام في الجامعات والصحافيين أنفسهم. هناك كوادر فلسطينية تعمل في الإعلامين، العربي والدولي، قامت بدور مهم، ولكنه تم في غياب استراتيجية.
يجب أن تشمل أي خطة إعلامية فلسطينية مركزية متفقا عليها، وغياب الأنانية الفصائلية، واتفاقا على الثوابت الفلسطينية. وكذلك خططا متوسّطة الأمد وأخرى طويلة، إضافة إلى تشكيل لجان للرد السريع والفوري الذي لا يحتمل التأخير.
ما حدث في جنين كان نوعا ما متوقعا، ولكن أحدا لم يكن يعرف متى وكيف ستتم المعركة التي كان الإعلام العبري ووزراء الاستيطان يتحدّثون عنها. يجب أن تنسّق لجان التحرّك السريع مع المقاتلين، وأيضا مع أشخاصٍ محدّدين ذوي ثقة وتواصل مع من هم خارج الميدان العسكري، وحتى خارج الأراضي المحتلة. ومن الضروري وجود تناغم وتفاهم وتنسيق واتفاق يومي، أو حتى كل ساعة، من خلال نقاط يجب التركيز عليها بشأن الموقف الوطني الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، توفير معلومات وحقائق كافية للردّ على الروايات الإسرائيلية المضللة. وعلى هذه القوى التواصل مع كل الإعلاميين المحليين والدوليين، وان تتوفر على وسائل عمل لتوزيع المواقف بالسرعة التي يتطلبها عصر الإعلام الحديث.
وهناك حاجة إلى الاتفاق على قائمة شخصيات وطنية وإسلامية ذات مصداقية وخبرة، تكون مستعدّة للحديث والمشاركة مع أي جهة ترغب بمعرفة المواقف الفلسطينية، وللرد على الروايات المضللة. يجب أن تشمل ناطقين بلغات مختلفة، وأشخاصا وطنيين من خلفيات مختلفة، ذكورا وإناثا، علمانيين ورجال دين وغيرهم ممن يعكسون التعدّدية الموجودة أصلا فلسطينيا محليا وخارجيا، ونادرا ما يتم التواصل معهم. وفي الإعلام اليوم، عمليات رد الفعل ليست كافية، المطلوب خصوصا خلال شدة المعارك أن يكون للجنة رد سريع على مبادرات تقترحها على الإعلاميين وأشخاص يعدّون قائمة الحقائق fact sheet كما لا بد من أن يقوم خبراء التصميم بإنتاج إنفوغراف يمكن توزيعه على الإعلام وعلى منصّات التواصل الاجتماعي. وهنا، وفي مجال التواصل الاجتماعي، هناك حاجة ماسّة إلى تنسيق واتفاق على أمور معينة، يتم التركيز عليها. لا يعني ذلك أن الجميع يصبحون بوقا يكرّرون الجمل نفسها، وإنما هناك ضرورة إلى وجود توجّه معيّن ورسائل متفق عليها، يتم التركيز عليها في خضم المعارك، كي لا تغيب البوصلة الوطنية.
يطبق العدو هذه الأفكار هذه بشكل دائم وميزانيات باهظة، ولكنه يبيع بضاعة فاسدة، فيما لدى الفلسطينيين الحق والعدل، وكذلك القصص الإنسانية التي لا نستطيع ترجمتها إلى عناوين عالمية تجبر أصحاب القرار على التعامل مع القضية بجدّية، فكل ما نسمعه دائما كلام مكرّر عن حل الدولتين أو غيره، من دون أن يتحدّاهم أحدٌ، مثلا، لماذا لا تعترفون بالدولة الفلسطينية أن كنتم مع حل الدولتين؟
القضية الفلسطينية عادلة. ورغم التحسّن الكبير في التغطيات الإعلامية، مثلا، لما جرى في جنين، هناك إمكانات تحسن ملموس لوضعنا الإعلامي، فهل من مجيبٍ لهذه الأفكار؟