الولايات المتحدة وإسرائيل: هل فعلاً هناك نيّة لإعادة لتقييم العلاقات؟
بقلم: د. أماني القرم
استفزت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلته مع CNN حول الحكومة الاسرائيلية الحالية غضب جموع حلفاء نتنياهو من الاسرائيليين والامريكيين، حيث وصفها بأنّها الاشد تطرفا منذ جولدا مائير وحمّلها جزءا من المسئولية عن تدهور الأوضاع في الضفة الغربية ... تضاعف هذا الغضب مع نشر مقال للصحفي الأمريكي اليهودي "توماس فريدمان" المعروف بقربه من البيت الأبيض ومن الرئيس بايدن نفسه يحلل فيه انتقادات بايدن ويقترح بأنه حان الوقت لإعادة تقييم علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل..
فهل يحصل ذلك فعلاً؟
هي ليست سابقة أن ينتقد رئيس الولايات المتحدة الحكومة الاسرائيلية وسياساتها أو العكس أو أن تتصاعد خلافات في الرأي بين واشنطن وتل أبيب حول قضايا محددة، فقد حدث ذلك من قبل على مدار تاريخ علاقات البلدين: في عهد الرئيس فورد مع حكومة رابين، وفي عهد ريجان مع حكومة بيجن، وفي عهد جورج بوش الاول مع حكومة شامير. السابقة الفعلية كانت في عهد أوباما حين تجاوز بنيامين نتنياهو الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات الرئاسية الامريكية والاسرائيلية كلّها وألقى خطابا في الكونجرس دون تنسيق مع البيت الأبيض والإدارة الأمريكية. ورغم توتر وتنافر الرئاستين في تلك الفترة إلا أنها شهدت أكبر مساعدة امريكية لإسرائيل على الإطلاق (38 مليار دولار)! واستمرت العلاقات فوق الساسة والسياسة..
إن الابعاد التي تربط اسرائيل بالولايات المتحدة متعددة الأوجه والاتجاهات (تاريخية، دينية، ثقافية واستراتيجية سياسية واقتصادية ) تجعل العلاقة بين البلدين فريدة للدرجة التي يصعب توصيفها من قبل النظريات التي تحكم العلاقات بين الدول. لدى الأمريكيين أمثال جو بايدن وغيره من السياسيين نظرة وجدانية إلى اسرائيل على اعتبار أنّها شديدة الشبه بأمريكا: "أمة مهاجرة ودولة مهاجرين، وملاذ مضطهدين ورواد استيطان، ونظام "ديمقراطي" تظلله سيادة القانون، وثقافة استهلاكية غربية وقيم مشتركة في ظل صحراء عربية" هكذا هي في نظرهم. وعليه فإن حديث بايدن عن الحكومة الاسرائيلية نابع من المحبة لاسرائيل وليس اتهامات أو انتقادات ... والخلافات بينهما أشبه بخلافات البيت الواحد التي سرعان ما يتم حلّها بهدوء . وتفضيل الادارة الامريكية لدعوة الرئيس الاسرائيلي حاييم هرتسوغ عن دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض هو نوع من العقاب الابوي لهذا الاخير، و تأكيد على ان أسس العلاقة صارمة وملزمة لكلا الطرفين لن يغيرها توجهات أشخاص معيّنين.
وفضلاً عن الأبعاد الثقافية والتاريخية والدينية والقيم المشتركة التي تتسم بها العلاقة بين الطرفين، فإنها بلا أدنى شك علاقات ذات فائدة مشتركة. فكما الولايات المتحدة داعم أساسي للاقتصاد والعسكرة الإسرائيلية، إسرائيل أيضا تقدم خدمات جليلة تصب في إطار المصالح القومية للولايات المتحدة لا تستطيع أن تجاريها فيها أية دولة أخرى في المنطقة: اسرائيل هي استثمار استراتيجي لامريكا منذ تاريخ وجودها القسري لا يمكن التخلي عنه. فعلى سبيل المثال هي مركز استخباراتي قوي للولايات المتحدة في جمع المعلومات حول الأصدقاء والأعداء والمنظمات والحركات "الارهابية" والجهادية ودعم نظريات الأمن الوقائي في الاقليم. إضافة الى تبادل التقنيات التكنولوجية مع الجيش الامريكي الخاصة بتصنيع الأسلحة وتجريبها دون أن تكلف الولايات المتحدة شيئاً . كما تتقاسم إسرائيل الخبرة مع امريكا في مجال التدابير الفعالة لحماية المركبات المدرعة والدفاع ضد تهديدات الصواريخ قصيرة المدى وتقنيات وإجراءات الروبوت والتي تعد تل ابيب سباقة فيها عالميا..
وبناء عليه، استبعد أية اعادة تقييم للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية حاليا لأنها علاقات تصاعدية تأتي بمنفعة متبادلة للمصالح القومية لكلا الطرفين، وكل أزمة تحدث بين البلدين ستحل بشكل سريع كخلاف عائلي. فالولايات المتحدة لن تتخلى عن دعم إسرائيل ماديا ولوجستيا وإسرائيل ستبقى تحتل أولوية كبرى في أجندة صانعي السياسة في البيت الأبيض والكونجرس وهدف استيراتيجي في خطة الأمن القومي الأمريكي. وربما لفرادة هذه العلاقة فإن أيّة توترات تحدث فيها تحظى بصدى عالمي من الخبراء والمحللين وحتى العامّة.