التحدي الأبرز للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة
بقلم: محمد جبر الريفي
طيلة الفترة الممتدة من وقوع النكبة في مايو عام 48 الى توقيع اتفاقية اوسلو عام 93 من القرن الماضي لم يشهد الوضع الفلسطيني الداخلي تفككا على المستوى السياسي والاجتماعي أكثر من التفكك الذي أحدثه الانقسام السياسي الذي استمر حتى الآن وقد شكل في الواقع التحدي الأبرز للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة حيث فاقم من أزماتها السياسية والاقتصادية وأن ما ينبغي قوله أن الانقسام السياسي الذي الحق أكبر الأضرار بالقضية الوطنية لم يكن له اية مبررات موضوعية تدعو لحدوثه فليس هناك في الواقع أي تناقض رئيسي أو خلل منهجي بين ممارسة المقاومة والعمل السياسي القائم أساسا على المفاوضات في مرحلة التحرر الوطني ووقائع كثيرة من تجارب الثورات الوطنية تثبت ذلك لكن الصراع على السلطة السياسية والانغماس في ممارستها العملية وبما تحققه من مصالح تنظيمية ومكاسب فئوية هو الذي دعا إلى حدوث الانقسام البغيض خروجا على قاعدة حل الخلافات بالطرق السلمية بين القوى السياسية في اطار الحوار الوطني الذي يسمح بإعطاء مجال واسع للديموقراطية.
إن حدوث الانقسام السياسي هو أكبر خطورة على القضية الفلسطينية من الوصول إلى السلطة السياسية نفسها ذلك لأنه يوفر الأمكانية الموضوعية إلى تجزئة الكيانية الوطنية الفلسطينية خاصة أن بعض دول المنطقة تشهد واقع الانقسام الاقليمي في مجتمعاتها حيث جذوره كامنة في المنطقة العربية بسبب التنوع الطائفي والعرقي والتعصب الجهوي والقبلي.
في الحالة الفلسطينية لقد توفرت لحالة الانقسام السياسي قوة الاستمرارية والبقاء بسبب التمسك بالمصالح التنظيمية والفئوية على حساب المصالح الوطنية العليا وفي وقت أصبح للانقسام السياسي حاضنة إقليمية متمثلة بإمارة قطر استدعتها الحاجة الموضوعية للتخفيف من حدة الحصار الإسرائيلي على القطاع كذلك كان لعامل سيطرة القطبية الثنائية على المشهد الفلسطيني الإثر الكبير في أطالة عمر الانقسام حيث غياب عن المسرح السياسي الداخلي طيلة الاعوام الطويلة الماضية وحتى اليوم القطب السياسي الثالث الفاعل الذي بإمكانه أن يحد من عملية الصراع على السلطة السياسية بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس اللذان يتقاسمان الحكم في الضغة والقطاع وبغياب هذا القطب الثالث توسع نطاق الخلافات بينهما بحيث عقب كل اتفاق ينفجر على نحو عاصف ومفاجىء خلاف جديد..
هكذا استمر الانقسام السياسي البغيض الذي طال امده بالتذرع بأسباب تنظيمية ومصلحية فئوية كما استمر ايضا بسبب هبوب رياح الاستقطاب والتطاحن بين المحاور الإقليمية في المنطقة لتمعن حالته تمزيقا في جسد الوحدة الوطنية الفلسطبنية وفي جسد السلطة الوطنية وفي حالة عدم إيجاد السبل الكفيلة بإنهاء هذا الانقسام السياسي البغيض ولم تتحقق الوحدة الوطنية فسيحكم التاريخ السياسي الفلسطيني والعربي ايضا على الحركة الوطنية الفلسطينية التي تقود الشعب الفلسطيني منذ أوائل القرن الماضي بأنها لم تكن على مستوى التحديات المصيرية في مواجهة المشروع الصهيوني.