مسيرة الأعلام الصهيونية وإشغال الرأي العام
بقلم: د . أيمن إبراهيم الرقب
منذ أن سقط الجزء المتبقي من فلسطين عام 1967 م، أخذ الصراع مع الاحتلال الصهيوني شكل جديد، وسقطت مع هذا السقوط كل الاحلام، وتغير تدريجيا لغة ومطالب الثوار الفلسطينيون، فلم يعد العرب يطالبون بتنفيذ قرار التقسيم 181 الذي يعطي العرب دولة على حدود 44% من ارض فلسطين التاريخية، و أصبح الموقف العربي الفلسطيني يكتفي بالمطالبة بقيام دولة مزوعة السلاح والدسم على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والأدهى من ذلك وافقوا على تبادل اراضي حسب الاحتياجات الأمنية الصهيونية، تراجعت المطالب والحقوق حتى الحد الأدنى، ولم تلقى هذه التنازلات سوى صم للآذان من قبل المستعمرين، على أمل أن ينهي الزمن أي حلم أو حقوق فلسطينية طالما سلم النزول أصبح واضحا وسريعا، ولكن الاحتلال نسى أن خطوط التنازل مهما كانت لها حدود لان بعدها الموت والفناء، وان أجيال قادمة ستغير المعادلة، فالتاريخ و مؤثراته ليست ثابته.
الاحتلال استغل عام 1968 حالت الصدمة العربية وقام بضم القدس الشرقية للقدس الغربية وأصبح اليهود يقيمون صلواتهم التلموذية في ساحة البراق، وفي 31 يوليو من عام 1980م أصدرت الكنيست قرار بإعتبار القدس عامة كيانهم .
احتفل اليهود باحتلال القدس ونظموا ما يطلع عليه اليوم ( مسيرة الأعلام) بدأت ببضع عشرات من المشاركين عام 1968، لتصل الى عشرات الآلاف في السنوات اللاحقة، وتستغل هذه المسيرة بعض الأحزاب اليهودية لتحقيق مكاسب سياسية.
ظلت مسيرة الأعلام الصهيونية تنظم كل عام بشكل طبيعي و يزيد عدد المشاركين فيها كل عام و زاد عدد المشاركين في العام الماضي عن ثلاثون ألف يهودي ، و تغيرت خطوط مساراتها أكثر من مرة حسب الظروف الأمنية التي تحددها شرطة الاحتلال ولكن يكون الهدف منها هو استفزاز سكان القدس والفلسطينيون والعرب بشكل عام وبجانب اعلام كيانهم تهتف الشعارات المعادية للعرب وخاصة شعار الموت للعرب.
لكن هذه المسيرة في مايو من عام 2021 واجهت تحدي جديد ليس من القدس كما جرت العادة ولكن هذه غزة التي تبعد ما يزيد عن مائة كيلومتر عن القدس، وانتصرت غزة للقدس و لسكان الشيخ جراح الذي كان الاحتلال يضغط لهدم منازلهم وتشريدهم من حيهم الذي عاشوا فيه عشرات السنين.
غزة أوقفت مسيرة الأعلام وأطلق صواريخها البدائية لتصل لمستوطنات وبلدات القدس الاسرائيلية ، وخاضت حرب ضروس دفعت ثمنها مئات الشهداء والذين كان ثلهم من الأطفال والنساء، ولكن أصبح بعد هذا التاريخ مسيرة الأعلام الصهيونية حدث تحدي بين الفلسطينيين والمحتلين.
صحيح أن المقاومة فرضت في عام 2021م تفريق المظاهرة ولكن اليهود أعادوا تنظيمها في الخامس عشر من حزيران من نفس العام، في العام الماضي وأمام تهديدات المقاومة تم تحديد عدد المشاركين في هذه المسيرة إلى ستة عشر ألف وحدد لهم خط مسير انتهى بإقتحام المسجد الأقصى والوصول لحائط البراق، واكتفت المقاومة ببعض المظاهرات الحدودية و التهديد بالبيانات.
وفي هذا العام بدأ التجهيز لتجمعات فلسطينية على حدود قطاع غزة مع إصدار معظم الفصائل بيانات تهديد للاحتلال.
تجربة عام 2021 اتوقع بعيدة هذه المرة ولكنها ليست مستحيلة، خاصة أن عدد المشاركين في مسيرة الأعلام اليوم من المتوقع أن تزيد عن مائة ألف يهودي صهيوني، و يبقى الرهان على المقدسيين خط المواجهة الأول وذلك بتنغيص على هؤلاء القطعان احتفالهم .. مسيرتهم و اصرارهم عليها يؤكد أنهم يشعرون بنقص شريعة رغم احتلالهم لفلسطين أكثر من خمسة وسبعون عاما، ويدركون لو اعترف العالم بهم ولم نعترف نحن فشرعيتهم منقوصه، وهذا سر الصراع وسر قوتنا.